عمق الظلمة

عمق الظلمة

وبهذا، يتغير مفهوم البطولة في الرواية؛ لم يعد البطل هو من ينتصر في الخارج، بل من يصمد في الداخل، من يُصالح ذاته، ويُشفى من ذاكرته، ويعبر من الغضب إلى الحكمة.
الرواية تعيد تقديم شخصيات الأجزاء السابقة، لا كأبطالٍ منفصلين، بل كأرواح متصلة بنسيج واحد، تنمو، وتتعلم، وتكتشف أن ما جمعهم لم يكن الصدفة، بل قدرًا أعلى أراد لهم أن يكونوا شهداء الكلمة، لا شهداء الحرب.
نراهم وقد أصبحوا أكثر نضجًا، أكثر تواضعًا، يرون الحقيقة لا بأعينهم بل بقلوبهم، ويُدركون أن المعركة الأهم ليست ضد الشر، بل ضد الجهل، ضد التسرع في الحكم، وضد موت المعنى في زمن الضجيج.

“أبادول” إذًا ليست رواية عن النهاية، بل عن البدايات التي تأتي بعد الإدراك،
عن السلام الذي لا يُنتزع من الخارج، بل يُولد حين نصمت داخليًا، ونُصغي. ولهذا، ختم السلسلة بهذا الجزء لم يكن إغلاقًا، بل بعثًا جديدًا للرسالة، للوعي، ولروح القارئ الذي غاص مع السلسلة في أعماق ذاته قبل أن يرفع رأسه من الصفحات.


  • في الختام: لماذا نقرأ “مملكة البلاغة”؟

لأننا في زمن تاهت فيه البوصلة، نحتاج إلى أدب لا يكتفي بإمتاع العين، بل يُخاطب الضمير، ويُربّت على القلب، ويُحرّك العقل نحو النور. نحتاج إلى روايات لا تهرب من الواقع، بل تُرمّمه، لا تُجمّل القبح، بل تفضحه لتعيد للحق هيبته.

“مملكة البلاغة” ليست مجرد سلسلة فانتازيا عربية؛ بل هي مرآة نرى فيها وجوهنا، ونلمح فيها أرواحنا حين تُجاهد لتبقى نقية وسط هذا الزمان المُلتبس.

نقرأها لأننا بحاجة إلى أدبٍ يُوقظ القيم النائمة، وينتصر للكلمة في زمن تفلّتت فيه الألفاظ من معناها، وامّحت فيه حدود الحق والباطل. لأنها لا تُعطيك الأجوبة السهلة، بل تدفعك للتأمل، للتساؤل، للتطهر من الداخل قبل أن تطلب نصرًا في الخارج.

“مملكة البلاغة” تُذكّرنا أن الإيمان ليس درعًا خارقًا، بل مسيرة، وأن النقاء ليس ضعفًا بل بطولة.
نقرأها لأننا جميعًا نحمل في دواخلنا “حبيبة” تبحث عن وطن، و”أنس” يفتش عن حكمة، و”أبادول” يخوض صراعه الصامت مع ماضٍ شكّل منه سيد المحاربين.
وفي نهاية الرحلة، نكتشف أننا لا نحتاج إلى بطل يُنقذنا من الظلم، بل إلى بصيرة تُنقذنا من ضياع المعنى. نحتاج إلى “أبادول” جديد، لا يصرخ من فوق المنابر، بل يُربي بالصبر، يُضيء بالعلم، ويقود بالحكمة. أبادول، ليس في الرواية فقط، بل في كل من قرأها وخرج منها إنسانًا أصدق، وأنقى، وأقوى.

“اقرأها، ولا تُغلق الكتاب إلا وقد فتحت قلبك.”

هديل كشرود/المغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *