الإسكافيُّ الذي يحدّث الجلود

أنا الإسكافيُّ،
ليس لي وطنٌ سوى الطرقات،
ولا نَسَبٌ سوى ما خلّفته الأقدامُ من أثرٍ على العتبات.

أعرفُ الأحذية كما تعرفُ الأمُّ نبضَ الجنين،
ألمسُها،
فأسمع صدى الشوارعِ البعيدة،
وأشمُّ العَرَقَ الغافي على جلدها الميت.

لكلِّ حذاءٍ قصة،
بعضُها نَزَفَ في المعارك،
وبعضُها رقصَ في أعراسٍ لم تكتمل،
وبعضُها هربَ من موتٍ،
فصار الموتُ يلاحقه على الأسفلت.

أعرفُ من ضَرْبِ النعلِ جنسَ صاحبه،
أُميّزُ خطواتِ المترددين من نَفَسِ الشجعان،
أقرأ خرائطَ المدنِ في الحوافِّ المهترئة،
وأُحدِّدُ اتجاهاتِ الهزيمة من انحناءِ الجلود.

في دكّاني
ينامُ الزمنُ بين المطارقِ والشكائم،
وتحلمُ الجلودُ بأقدامٍ عادلة،
لم تدسْ بها ظلًّا،
ولم تطأْ بها وطنًا غريبًا.

أنا الإسكافي،
أُخيطُ وجعَ العابرين بخيطٍ من تأمُّل،
وأختمُ نعلَ الطغاةِ
بكلمةٍ:
“ستُهزَمون…”

أُدركُ أن ليس كلّ مَن يملك حذاءً يسير،
ولا كلّ مَن يسير،
يعرفُ إلى أين…
وحين أُمسكُ حذاءكَ،
أعرفُ أيُّ حلمٍ تهشَّم في الطريق.

مجيدة محمدي/ المغرب